الابتكار في جوهره هو عملية إحداث التغيير بطرق وأساليب جديدة لتحقق قيمة ومنفعة لفئة أو فئات من المستفيدين داخل المنظمات أو خارجها. وتتعدد أشكال وأنواع الابتكار بحسب القطاع ومنظومة العمل التي تستخدم أدواته لتحقيق أهدافها. فقد يكون الابتكار على شكل منتج أو خدمة أو عملية تهدف إلى تحسين أداء العمل والارتقاء به.
سنتحدث في هذه المداخلة عن الابتكار في إدارة العمليات لتعزيز وتحسين الأداء المؤسسي وتحقيق الأهداف الاستراتيجية للمنظمة بطرق فعالة عبر منهجيات أثبتت نجاحها في القطاع الحكومي والقطاع الغير ربحي.
ومن أهم الأسس الحديثة في الابتكار هو عملية الابتكار القائم على البراهين والتي تستند على وضع الفرضيات واختبارها والتحقق من نجاعة الفهم العميق للتحديات ووضع الحلول ونماذجها الأولية وتجربتها مع المستفيدين والتأكد من فعاليتها قبل الشروع في تنفيذها ويتم ذلك من خلال عملية مرنة تمكن من العودة كل مرة يتضح لنا بعدم فهم المشكلة أو التحدي بشكل جيد ومن ثم إعادة تشكيل الأفكار والحلول بطريقة تلامس الاحتياجات الحقيقية والدوافع الكامنة للشرائح التي نعمل من أجلها.
وسأتحدث بشكل مختصر عن وجهة نظر الابتكار في الطريقة المثلى في خلق وتكوين العمليات بشكل يخدم المنظمة في إيصال القيمة النهائية للمستفيدين بطريقة فعالة وناجحة.
ينظر الابتكار للعمليات كأداة فعالة في تسهيل إيصال القيمة والمنفعة الفعلية للمستفيدين وليست هدف بذاتها. لذلك يهدف الابتكار على جعل العمليات تبقى على صلة بالواقع المتغير وكذلك لتستشرف تحديات المستقبل وتستعد لها. ومن هذا الباب فإن عملية التطوير المستمر لإدارة العمليات يجب أن تراعي وجود منهجية فعالة للابتكار تمكنها من ربط المتغيرات المتسارعة في البيئة الداخلية والخارجية واستحداث آليات جديدة وأساليب تواكب تلك التغيرات بما يجعل العمليات تكون أكثر فعالية وتحقق أهدافها بالدقة الممكنة.
ولإضافة بعد جديد في تحسين جودة الخدمات والمنتجات التي تقوم بها المنظمة فقد حان الوقت لإشراك المستفيدين في تصميم المخرجات النهائية لتلك العمليات قبل الشروع في تصميم العمليات نفسها وذلك ما يسمى بالهندسة العكسية للعمليات بحيث يتم تحديد المنتج أو الخدمة النهائية بعد التفاعل المباشر مع المستفيدين وفهم دوافعهم واحتياجاتهم ووضع التصورات المبدئية للمشكلات أو التطلعات التي يرغبونها ومن ثم إعادة صياغة تلك المشكلات ووضعها في إطار جديد وصحيح.
هذه العملية ستوفر من الوقت والجهد الكثير في إكتشاف وفهم تلك التحديات والمشكلات. ومن ثم البدء بوضع أكبر قدر ممكن من الأفكار حول الحلول الممكنة في عملية يتم فيها تأجيل الحكم على تلك الأفكار حتى تتحقق انسيابية وتدفق للأفكار بشكل قد يوصل إلى حلول خلاقة لم تكن لتعرف لو استخدمنا فقط الطريقة التقليدية في القفز مباشرة لتكوين الحل النهائي.
بعد تكوين فكرة عن الحل فالأجدر هنا هو معرفة رأي المستفيدين في ذلك الحل قبل الشروع في عمل النماذج الأولية له. وجود التغذية الرجعية مهم في فهم مدى ملائمة الحلول المقدمة مع الاحتياجات الفعلية للمستفيدين، ومن ثم التعديل على تلك الحلول إلى أن نصل للحل النهائي.
بعد الاستقرار على الحل النهائي لمعالجة المشكلة لتقديم القيمة والمنفعة المناسبة للمستفيدين تأتي مرحلة وضع النماذج الأولية وتجربتها واختبار مدى قدرتنا على خلقها ومدى نجاعتها في إيصال القيمة المراد تحقيقها. بالحصول على التغذية الرجعية نستطيع هنا اليقين بأننا تمكنا من وضع الحل الصحيح أو التعديل عليه لتنفيذه بشكل نهائي وسليم.
تشمل تلك العملية كذلك وضعها في نموذج عمل مناسب يلبي كل متطلبات العناصر المتخلفة التي تكفل نجاح المهمة ووضعها في إطار متناسب ومرن يحقق النجاح في إيصال القيمة بالشكل الصحيح لشريحة أو شرائح المستفيدين المستهدفة، وتتكون عناصر نموذج العمل المؤسسي للعمليات من العناصر التالية:
– القيمة والمنفعة
– المستفيدين
– طرق إيصال القيمة والانتشار
– الإقناع والدعم
– مؤشرات إنجاز المهمة ومؤشرات قياس الأثر
– الموارد المطلوبة
– الأنشطة المطلوبة
– الشركاء الداخليين والخارجيين
– الميزانية وهيكل تكاليف العملية والمهمة
هنا نستطيع تصميم العملية الصحيحة التي تراعي كل هذه العناصر بعد أن عرفنا تفاصيل كل عنصر بالإضافة للمشاركة الفعلية للمستفيدين ومدى نجاعة الخدمة المقدمة لهم قبل تنفيذها. وبالتالي فإن إنشاء العمليات أصبح ذو جودة عالية وتم تخفيض مستوى المخاطر إلى الحد الأدنى وبأقل التكاليف. وهذا هو دور الابتكار في تحسين إدارة العمليات داخل المنظمات.
وبالتالي فإن أي عملية جديدة داخل المنظمة يمكن تطبيق هذه المنهجية عليها سيواكبها النجاح بنسبة عالية جداً وفي كل عملية جديدة نريد إنشائها.