يلتقي بنا أحد الأشخاص وبعد دقائق يبدأ يعبر عن فهمه لنا وتحليله لشخصيتنا والأبعد من ذلك عندما يبدأ في توقع سلوكنا وردات أفعالنا. بعدها ربما يصرّح أو نكتشف بأنه للتو أخذ دورة قصيرة في تحليل الشخصيات وفهم أنماط السلوك البشري.
عادةً ما يكون هؤولاء الأشخاص ذوي النزعة التحليلية السريعة المبنية على معطيات ظاهرية أو أفكار مسبقة أو الذين يبادرون بسؤالك عن برجك أو ألوانك المفضلة أو أي سؤال شخصي آخر أشخاص ذوي عمق سطحي ولديهم تصورات ساذجة عن الحياة لا تتعدى دورات هشة أو كتب غير علمية مليئة بالخرافات التي لا تستند على براهين أو منهجيات لا تعترف بها أي جهة علمية معتبرة.
ولكن لماذا لدى هؤولاء الناس هذه الرغبة المندفعة لتحليل الآخرين؟ هل هو نوع من الخوف تجاه نوايا الآخرين؟ أو رغبة في فرض السيطرة بإعطاء الإشارة بأنهم يفهمون نوايا وسلوك الطرف الآخر حتى يكون حذراً في تعامله معهم؟ أو كنوع من الإبهار واستعراض القدرات لجلب الانتباه والاهتمام؟
ربما خليط من كل ذلك بالإضافة إلى سبب مهم وهو أنهم مؤمنين بتلك المنهجيات والقدرة على تحليل السلوك وفهم الشخصيات في دقائق أو ربما ساعات. وهذا يقودنا إلى الحكم على هذا النهج بأنه مدعاة للسخرية من قبل علماء النفس والطب النفسي، لأن معرفة وتحليل الشخصيات وأنماطها قد يستغرق فترات طويلة جداً تمتد لسنوات.
هنا سأذكر قصة حدثت لي أثناء دراستي في مرحلة الماجستير في كندا، وكنت حاضراً لحفلة عيد زواج لواحدة من علماء الطب النفسي في جامعة تورنتو المرموقة في مجال الطب، وأثناء الحفل التقيت بطبيبة نفسية ومحاضرة في الجامعة ومتخصصة في التحليل النفسي.
دار الحديث حول إمكانية أن تقوم هي بتجربة التحليل النفسي لي، فأبديت موافقتي. فتوقعت بأن الأمر سيستغرق عدة أسابيع عندما فاجأتني بأن الأمر يتطلب ثلاث سنوات. فأخبرتها أنني سأغادر كندا بعد سنة ونصف، فقالت لا يمكنها أن تقوم بعملية التحليل النفسي في أقل من سنتين وبمعدل جلستين أسبوعياً.
عندها اعتذرت هي عن القيام بعملية التحليل النفسي لي. وبعدها عرفت بأن ما يقوم به الكثير من المتسرعين ومدعي تحليل الآخرين مجرد هراء لا يرتبط بأي منهج علمي أو علم موثوق سوى الرغبة الجامحة في فهم الآخرين بحسب معطيات سطحية لا تعبر عن حقيقتهم.
ربما التحليل النفسي يختلف عن تحليل نمط الشخصيات، ولكن من الصعب جداً التكهن بمعرفة الآخرين في فترة وجيزة، وحتى تلك الأسئلة والاختبارات التي تستخدم في تحليل الشخصيات يكتنفها كثير من المغالطات والتكهنات الغير صحيحة والمبنية على تصورات ذاتية ينقصها الدقة لأنها محددة مسبقاً وتفتقر للربط المعقد جداً في فهم شخصية الإنسان والتكهن بسلوكه.
هنا يأتي التساؤل، إذا كان علماء النفس والطب النفسي لا يجرؤن على التحليل النفسي ويستغرق منهم الأمر تأهيل طويل وتحليل قد يمتد لسنوات، فلماذا يجرؤ هؤولاء الهواة على عمل معقد جداً مثل هذا؟ ربما الإجابة قد تكون هو الجهل والجرأة على اقتحام العلم بممارسات سطحية ربما تكون نتائجها سلبية وقد ينتج عنها الحكم المغلوط على الآخرين وربما انتهاك حقوقهم أو تعطيل مصالحهم.
ومؤخراً قررت عندما أعرف بأن أحدهم يحاول تحليل شخصيتي بأن أعطيه معلومات مغلوطة حتى أشتت تحليله وتلتبس لديه النتائج وأجعله يزهو بقناعاته الزائفة ?. ربما لن أقوم بذلك ولكن أصبح لدي حساسية من هذه الفئة ولا أستطيع أن أفعل أكثر من إبداء الشفقة وتحمل الدقائق التي سأقضيها معهم لأنها لن تتكرر مرة أخرى ?.