لو قمنا بعمل استبيان لقادة المنظمات ومدى دعمهم للابتكار لوجدنا النتيجة مبهرة ومرتفعة في ذلك الدعم، ولكن عند مطابقة ذلك على واقع المنظمات لوجدنا النتيجة مختلفة ويشوبها كثير من عدم التوازن ما بين الرغبة في دعم الابتكار وما هو موجود على أرض الواقع.
يعود ذلك لسبب مهم للغاية وهو أن أغلب القيادات لا تعرف ماذا يعني الابتكار وما هي مفاهيمه الحديثة. ويغلب على الصورة المكونة لديهم بأن الابتكار هو التكنولوجيا الرقمية أو الاختراعات الفنية في مجالات متعددة، أو أنه فعالية تقام بين الحين والآخر توزع فيها الجوائز ويحتفى بالفائزين ومن ثم كلاً يذهب بانتظار الفعالية القادمة.
هذا التصور المتراكم منذ عقود حان تغييره وأصبح الولوج في فهم منهجيات الابتكار وتطبيقاته أمراً حتمياً لا خلاص منه للبقاء على صلة بالواقع واستشراف المستقبل في كل منظمة مهما اختلف قطاعها أو حجمها.
نكتشف هنا أن العائق ليس دعم الابتكار ولكن الفهم الخاطئ له هو السبب الأهم في ضعف برامج الابتكار في المنظمات وفقر مخرجاتها. ولذلك من المهم جداً أن يكرس قادة تلك المنظمات جزء من وقتهم لفهم أعمق وأشمل لفهم ماذا يعني الابتكار وكيف يكون هو المركبة الشاملة التي تحمل المنظمة وتضمن استدامتها ونموها وتحقيق القيمة الفعلية من وجودها.
لعل هناك من القادة من يخاف بأن الابتكار عبء جديد أو أنه يجب أن يبدأ بشكل كبير أو أن نتائجه يجب أن تكون كبيرة وواسعة في بداياته، ولكن هذا غير صحيح، لأن تحقيق النضج الابتكاري في المنظمات يأخذ وقتاً طويلاً يستغرق سنوات حتى تظهر نتائجه الفعلية وقدرته على الاستمرار والنمو.
عندما يرتفع مستوى فهم الابتكار لدى القادة سيصبح من السهل دعمه والمشاركة فيه وجعله ثقافة سائدة يشارك فيها الجميع، ولا تقف فقط على المفهوم القديم بأن الابتكار يعني التكنولوجيا، بل يمتد داخل وخارج كل أعمال المنظمة وقد يشمل العناصر التالية: المنتجات والخدمات، بيئة العمل، نموذج العمل، الموارد، الأنشطة، الإيرادات، التكاليف، تطوير العملاء، تجارب المستخدمين، وكل جوانب العمل الأخرى.
وكذلك فإن مسؤولية القيادة أن ترسخ ثقافة الابتكار وإنشاء لغة مشتركة يفهمها كل فرد في المنظمة عن الابتكار، وأن الابتكار مسؤوليةالجميع، والبدء بتجارب صغيرة وتحقيق بعض النجاحات ومن ثم البناء عليها واكتساب الخبرات. ووضع استراتيجية ملائمة وبرامج لإدارة الابتكار وتمكين العاملين من فهمهما وتأهيلهم لممارستها.
بذلك نكون حققنا الدعم الحقيقي على أرض الواقع ويكون هناك إدراك واعي من القيادة بأهمية الابتكار وتطبيقاته عن معرفة ودراية تظهر نتائجها الحقيقية على المنظمة وأفرادها وعملائها والمستفيدين منها وبالتالي على المجتمع ودورها في تعزير الجوانب الاقتصادية والاجتماعية في بلدها ومحيطها.